الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الجمهورية تغوص في ثنايا ميدان "تهريب البنزين وبيعه" وتكشف تواطؤ هؤلاء..

نشر في  10 نوفمبر 2015  (13:07)

تهريب البنزين أو كما يسميه بائعوه برمادة من ولاية تطاوين بـ"التجارة"، لم يعد حكرا على الشباب العاطل عن العمل، وإنما تجاوز ذلك ليشمل أيضا الموظف الإداري في مختلف القطاعات العمومية بالجهة.

وعلى بعد بضع الكيلومترات من مدخل مدينة رمادة تتوزع نقاط بيع البنزين المهرب من ليبيا، وتختلف أدوارها على اليمين وعلى الشمال، فهذا بائع بنزين بالجملة وذاك بائع بالتفصيل.

الجمهورية ارتأت الغوص في ثنايا هذا الميدان "الممنوع" فكان التالي..

في البداية توجهنا إلى إحدى نقاط البيع، وهي عبارة عن غرفة صغيرة تحتوي الاف اللترات من البنزين ويحيط بها من الخارج أوعية مختلفة الأحجام ولوحة كرطونية معلقة كتب عليها "هنا يباع البنزين الصافي بـ13دينار"، هناك كان لنا لقاء بمحمد صالح، شاب في مقتبل العمر يعمل بمرفق عمومي بالجهة، كان السواد يغطى يديه وتنبعث من ثيابه رائحة البنزين.

 تحدثنا بخصوص موقفه من إنتشار بيع البنزين المهرب في صفوف أعوان الدولة..

سؤال لم يرق لمحدثنا الذي رد بنبرة تمزج بين العنف والسخرية "إنها تجارة، ولولاها لمات الموظف جوعا... فتكاليف الحياة أمام ضعف مرتب الموظف ستقود حتما إلى البحث عن نشاط مواز كتهريب البنزين في منطقة نائية ومهمشة".

 وأضاف محدثنا قائلا "تعرف مدينة رمادة ذات الألف ساكن بإفتقارها للتنمية وللمشاريع وفي المقابل تسجل تواجدا لأكبر الشركات البترولية في صحرائها وهو ما يخلق مفارقة بين الفقر الموجود والغنى المنشود".

البنزين هو الذهب!!

 موقف محدثنا تقاسمه تقريبا أغلب من إلتقيناهم على هذا الطريق الأكثر إستغلالا من قبل التجار، كعلي -ممرض بالمستشفى المحلي بالجهة- الذي إعتبر أن ممارسة هذا النشاط يساعد على توفير أرباح كثيرة تبلغ ضعف المرتب الشهري خلال الأسبوع الواحد، تجارة لا تتطلب رخصة ولا تستوجب رأس مال.

ومهما كان موقع المهرب إداريا فإنها تجارة الحياة الكريمة كما وصفوها.

 من ناحية أخرى فقد اكّد شق آخر من أعوان الدولة ممن التقيناهم أنه ورغم غياب آليات المراقبة من قبل سلط الإشراف، فإنّ إيمانهم بضرورة تحمل مسؤولياتهم في خططهم وإحترامهم للقانون، قد رسّخ لديهم قناعة بعدم السقوط في فخ مغريات تجارة بيع البنزين.

 أما العاطلون عن العمل فقد وصفوا هذا النوع من التجار بالدخلاء معتبرين أنفسهم في صراع حاد معهم، والفرق واضح كما قال أحدهم " يبحثون عن المزيد من الكسب على حساب خدماتهم الإدارية السيئة "..

هل من حلول؟

الأخصائية في علم الإجتماع أمال النغموشي فسرت تفشي هذه الظاهرة التي باتت تنخر السلم الوظيفي بخوف الموظف على حياته العائلية والصحية أساسا وهما "خط أحمر". وأشارت الغموشي إلى أن تردي الخدمات الصحية بالمؤسسات الإستشفائية العمومية أجبرت المواطن على التوجه إلى القطاع الخاص وهو ما يكبده مصاريف ضخمة لا يمكن تعويضها إلا ببيع البنزين المهرب لإسترجاع المصاريف في وقت قياسي.

 وتتعدد الأسباب لممارسة هذا النشاط التجاري والحل واحد: تفقد وزاري دائم للقطاعات العمومية في المناطق الحدودية أولا وبالولايات ثانيا ووضع خطة جادة للقضاء على الفساد داخل الإدارات التونسية والتكثيف من الومضات التوعوية لترشيد إستهلاك المواطن بعد أن غلبت عليه ثقافة الإضرابات والإحتجاجات وأخيرا لا بد من تعديل الأسعار مراعاة للمقدرة الشرائية للمواطن.

 ومن هنا فإنّ ظاهرة بيع البنزين المهرب في صفوف القطاع العام تطورت بعد الثورة لتستحوذ على 50 بالمائة من نسبة المحاضر الجبائية التي تسجلها الوحدات الأمنية  وذلك بحسب مصادر مطلعة.. في الختام نجزم بأنّ الدولة وحدها القادرة على القضاء على كل هذه الظواهر حتى تعاد الهيبة "المفقودة"  للإدارة التونسية..

 نعيمة خليصة